تخاريف ...
الطريق مزدحم، كم أكره القاهرة، ليست من الأماكن التي يجب أن أعيش فيها، يجب الهروب من هذا الوضع ولكن أولاً يجب أن أهرب من هذا التكدس البشري، في الواقع ﻻ يبدو عليَّ الاستغراب من الزحام ﻷننا في وقت ذروة، ولا يوجد أي مسبب لها سوا أن كوبري أكتوبر، وعلى التحديد عند رمسيس يضيق وبعد أن يكون هناك 4 حارات للسير تصبح أثنتان وﻷننا نعيش في الغابة فا يصير الوضع هو أن الأقوى يمر والضعيف ينتظر، والأقوى هنا هو أن تضع مقدمة السيارة كطريقة للتعبير أنك الأقوى وأنك لا تخشى أحد، فيضطر الطرف الآخر في المواجهة على التنازل أو يقوم بالتضييق عليك ويضع هو الآخر مقدمة سيارته كنوع من رد الصاع بصاعين ولو كان الصاع المُقدَم من طرفه هو مجرد إبداء الإعتراض على ما فعلت تجاهه. المهم أنني تجاوزت هذا الكوبري اللعين وأنهيت ما كنت بصدده، وأنا الآن على نفس الكوبري ولكن الناحية الأخرى منه. أدخن سيجارتي، وأنفث الدخان في عصبية واضحة ﻷنني تذكرت أن اليوم يوافق ذكرى ليست بالذكرى السعيدة، يصادف اليوم أنني كنت على وشك الموت وأنني للأسف على قيد الحياة، لم أعلم أنني ازيد في السرعة إلا حينما وجدت نفسي لم أشرب من السيجارة سوى مرتين وأنها انتهت بفعل الهواء القوي، فقررت دفنها وأنا حزينٌ لفقدانها دون أن أنتهي منها، وعندما أنتهيت من مراسم الدفن لم أعلم ماذا حدث سوى أنني الآن اصطدم بحاجز الكوبري وأهوي بالسيارة في النيل، كنت في ارتياح شديد، تمنيت ان يأتيني الموت دون ألم ويكون سريعاً، لكنني للأسف لم أكن أريد الموت، كنت متشبثاً بالحياة، لا أذكر كيف خرجت من السيارة، لكنني كنت على قيد الحياة وقد وصلت إلى ضفة النهر وكنت على قاربٍ ﻷحدهم.
ذهبت إلى المكان المتفق عليه لنتقابل، وجدتهم جميعاً في جالة من الوجوم، لم أتحدث، جلست على أقرب كرسي وألقيت بجسمي عليه، لم يكن يعلم أحد ما جرى لي ولم يهتم أحد بأن ينظر لي، يبدو أن هناك كارثة، طلبت قهوتي، وانتظرت حتى بدأت "ف" في الكلام، يبدو أنها مرت بحادث أيصاً لكنها فقدت أحد والديها، وهي حزينة عليه، لم اكن أعلم بهذا الأمر ﻷنني قد مر على كلامي معهم شهور كثيرة وكان هذا التجمع لنعيد لم شملنا من جديد، أنهيت قهوتي وذهبت واحتضنتها وعزيتها فيه واطمئنيت على سلامتها هي. مر وقتٌ طويل وهي تسرد لهم تفاصيل الحادث، كيف نجت هي بأعجوبة بسبب أنها كانت هي السائقة وكانت تربط حزام الأمان، وأن الجزء الأكبر من الحادث كان في ناحية المتوفى وكيف أنه لفظ أنفاسه الأخيرة على يدها ولم تستطع أن تنقذه أو أي شئ. كالعادة جاء النادل ليفعل فعلته النكراء ويذكرنا ان هناك " مينيمام شارج " وأنه جاء ليذكرنا بمثل هذا الأمر، فقمت كعادتي بالسيطرة على الموقف، وطلب المدير والتحدث معه بكيف أنه كل مرة نأتي إلى هنا يتكرر هذا الموقف الذي لا أصل لوجوده وأنه لا حق لهم في فرض علينا أي شئ حيث أن هذا ليس بقانوني وأنه حتى وإن كان يوم الخميس، يعتذر لي المدير ويتأسف أنه قد ضايقنا ويقدم لنا " ميني كوكيز" كتعبير عن أسفه.
يحدث الكثير من الأمور ولكن ما لم أكن أتوقعه أنني أبدأ في التقوقع في مكاني، ويبدأ فقدان تحكمي لجسدي، وأبدأ في البكاء المكتوم، بالكاد استطعت أن أخفي دموعي، وأكتم أنين ألمي، ثم فجأةً قرروا السؤال عني وماذا هناك كي يكون شكل ملابسي هكذا، وقامت "ف" من مكانها لكي تتأكد أنني بخير، فوجدتني أبكي، ففقامت باحتضاني ومسح دموعي، وجلست هكذا حتى هدأت. لم تكن تعلم كم المشاعر التي أكنها لها وأنني كنت في حاجةٍ لهذا الاحتضان ﻷنني لثاني مرة على التوالي بنفس التاريخ كنت على وشك الموت ولم يعلم أحد عن هذا.
تعليقات
إرسال تعليق