نحو غدٍ أفضل
تأتي الريح بما لا تشتهي الأنفس. هكذا أبدأ يومي، بيقينٍ تام أن لا شئ يحدث كما أشتهي وأريد. قانون الحياة الذي لا نقاش فيه، وأن لا شئ يدوم. ولكن على العكس، يدوم الفقد، حياتي سلسلة من الصداقات والعلاقات التي لم تدم لأنني لم أكن أنوي أن تدوم. ترسخ في بالي منذ الصغر أن الحياة كباص، يسير دون توقف، وأن الناس في الحياة كركاب سيأتي وقتٌ لينزلوا في محطةٍ ما، زواج، عمل، هجرة، موت. لا يمكن أن اتحكم في مدة بقاء أحدهم لأن البقاء الدائم مجرد وهم وخدعة نراها في الأفلام ومسلسلات الكارتون.
دائماً ما يصور لنا الفن في المسلسلات والأفلام كفاح طرفين في البقاء سوياً وينتهي الأمر بهما معاً، لكننا أبداً لم نعرف هل نجحت الظروف في إبقاءهم معاً أم نزل أحدهم في محطةٍ ما وفازت الحياة. كثيرٌ من الأصدقاء ظللنا سوياً طوال الوقت ومررنا معاً بالكثير من الإخفاقات والنجاحات، لكن بعد كثير من المجهودات، نفقد ما كان يشعل الصداقة وتخفت الأمور حتى يصير كلانا غريباً عن الآخر، فقط نكتفي في الصمت والبعد الهادئ دون تعكير المياه الراكدة بعد الرحيل. كثيراً ما افتقد أحدهم ولكني أعلم جيداً أنه لا عودة بعد ما جرى، لن تأتي الرياح بما تشتهي سفينتي، الباص قد سار ولن ينتظر أحدهم ليصعد.
كانت واحدة من الأمور التي أدت للخسائر الفادحة في صداقاتي أنني كنت أباً ولم أكن مجرد صديق، كثيرٌ ممن صادقت كانوا يحتاجون لأبٍ حنون، يرعاهم، يقوِّمهم، لكني لم أكن أبداً صديقاً لي حدود فيما أقدم وفي المقابل ما يقدومهم لي أحدهم في المقابل، كنت سخياً جداً، لم ابخل على أحدهم في الرعاية وانفاق الكثير من الوقت إن لم يكن جله في رعايتهم والتفكير في ماذا سنفعل في الخطوة القادمة، السند والنهوض من الكبوة التي كانوا يمرون بها لحين وقوفهم على ارجلهم والركض من جديد في حياتهم أياً يكن قرارهم. لم أكن أعلم أنني أفعل ما احتاج إليه، كنت دائماً ما افتقد إلى هذا السند والشخص الذي سيكون دائماً موجود لدعمي وتقديم النصيحة والأخذ بزمام الأمور ومساعدتي في النهوض مرةً أخرى.
حينما كنت استنزف، دائماً ما كنت أعلم أن محطة الشخص قد اقتربت، لأنني لا أملك الطاقة لتقديم الطبق الشهي الذي اعتاد عليه الصديق، وأنه سيتم البحث عن موفر خدمة آخر، وسأكون الشخص السيئ في رواية أحدهم لأنني قد تخاذلت عن مهمتي التي اصبحت فرضاً أن تُقدم دون مقابل وهذا لأنني قد عودتهم على هذا الأمر. الملام الوحيد في هذا الأمر أنا، لم أكن أعلم ما هي حدود الصداقة والفرق بينها وبين كوني أباً لأحدهم.
تراودني أحلام سيئة هذه الأيام، لست أدري لماذا أحلم أن الميكانيكي يخبرني أن "سير المجموعة" الجديد أتلف موتور السيارة وأنني سأدفع ما يقرب من ٤٠ ألف لكي يتم اصلاح ما افسده هو بعد تركيب القطعة بشكل صحيح. لعل العقل الباطن مهتم هذه الأيام بصحة السيارة ويتجاهل صحتي الفعلية.
من الأشياء التي تجعلني أفضل أن ألبس شيئاً تم غسله وبه رائحة كومفورت، تذكرني هذه الرائحة بأيامي في قطر، فمنذ عدنا إلى مصر، تجاهلت أمي هذه التفصيلة لأنه مكلف بشكل رهيب وأنها ليست بحاجة له لأنها اعتادت قبل سفرنا إلى قطر أن لا تفعله. في الآونة الأخيرة وجدت بديلاً أقل تكلفةً وعدنا إلى تلك الرائحة الزكية مع كل قطة تُلبس.
من الواضح أنني استعدت شهيتي، في خلال أسبوع أنهيت رواية وفي منتصف الثانية، لست أعلم لماذا بدأت الشهية أن تنفتح ولكني ممتن لأنني عدت لها.
تعليقات
إرسال تعليق