علاج شوبنهاور
"واحدة من التجارب الإنسانية الرائعة. عنوان الكتاب خادع، ولكنه لسبب وجيه.
كانت الحوارات الممتدة بني فيلين وجوليوس واحدة من العلاقات النفسية الرائعة بين مريض وطبيبه، وبعدها التطورات النفسية والمقاومة التي أبداها فيليب في قبول المواجهة بينه وبين بام، امتصاص مشاعر الآخرين وترتيب كيفية التعامل معها دون الانسياق إلى مساوئها. لا يجب علينا أن نشعر بما يشعر به الآخرون ولكن علينا أن نشاركهم وجدانياً وأن نكون بقربهم حين الحاجة إلى كتف للبكاء عليه ومشاركة ما يدور بخلدهم.
نظرة التشاؤم التي تبناها فيليب بسبب اكتئابه وتأمله من ما أحدثه السابقون ملفتة جداً للتأمل، حيث أننا دائماً ما نرى الأمور من عدستنا المثبتة على كادر ضئيل من الصورة الكاملة." كان هذا هو تعليقي عن الرواية التي هي نفس عنوان التدوينة. كانت الرواية على مستويات كثيرة من الروايات الدسمة التي تجعلك تفكر في خلفية كل شخصية وكل جملة يقتبسها البطل المساعد للبطل الأصلي. فيليپ شخص مكتئب وعنده الكثير من أزمات الثقة والمشاكل النفسية التي قرر أن يدرأ صعوبتها بتبني منهج شوبنهاور الذي تصرخ معظم مقالاته بأنه شخص يعاني من اكتئاب حاد ولم يجد في الحياة أي ملذة فقرر الانعزال عنها ويعلن صراحةً أنه لن يلعبها. يذكرني شوبنهاور بنيتشه، فهم لهم نفس الأسلوب المتمحور حول أن الجنس هو الدافع الخفي وراء كل تصرفات البشر. ويزعم فيليپ أن نيتشه ضمنياً بشكل غير صريح تلميذ شوبنهاور. صادفوا في الحياة الكثير من المآسي التي قتلت أملهم في الصنف البشري، وكان شوبنهاور حسب رواية فيليپ شخص منعزل على نفسه ولم يكن يريد أي تواصل حميمي إن كانت رفيق على الغداء وأنه كان يمقت الكائنات التي تسير على قدمين.
على العموم، النظرية العدمية لعلاقتنا بالبشر هي من المناهج التي أنتهج، ولكنها أقل سواداً، اعتبر البشر كائنات مغلوطة، التعلق بهم ضعف ويتسبب في الكثير من الأذى وخيبات الأمل. تاريخي ملئ بخيبات الأمل والآلام التي عملت كثيراً على الشفاء منها ولم أصل إلى الكثير من الشفاء عندما تتعلق الجروح بعلاقتي بوالدي. هم أحد أكبر خيبات أملي في الحياة، وعلى النقيض فلم يكن لهم أي دور في الشعور بالطمأنينة، ولو حتى مزيفة، لأنك طوال الوقت مطالب أن تلبي طلباتهم وأن تتقولب في القالب الصالح من وجهة نظرهم. ومازاد الطينة بلةً أنني منذ الصغر أتمرد على الكثير من المتاح أمامي. لم أكن أرغب في أن أكون المصري المتفوق في السنة الأخيرة من المرحلة الإبتدائية، انضممت إلى فريق المسرح آنذاك، وتحملت استهجان والدي والمدرسين لكوني شخص لا يحتاج لتضييع وقته الثمين في مثل هذه التفاهات. تمردت حينما جئنا لمصر، لم أكن أريد أن تكون حياتي الدراسة فقط، كونت صداقات مع من كانوا في الفصل، وكانت دائماً هناك اعتراضات على أصدقائي لأنهم في نهاية المطاف يستغلون ما أملك في الوصول للقمة على حسابي، وقتها لم أكن أملك سوى الوقت، في المذاكرة وأي شئ بجانبها، ولكن لم أكن محظوظا للحصول على شئ بجانب الدراسة، فقط أتيح لي ممارسة الرياضة في الأجازة الصيفية. تمردي عندما بدأت دراستي في كلية الهندسة، تمردي في رفض تشويهي لأنني رسبت في أولى سنوات الكلية، تمردي لرفض الصورة البشعة التي ارتسمت لي ولكني لم اتمكن من تفادي الصدمة والشناعة التي رسمت لي بعدما رسبت في السنة الأولى من كلية القمة. منذ تلكم اللحظة وأنا أرى نفسي دائماً في الشيطان الذي قال لا عندما طُلب منه السجود لآدم، اختلفت الأديان في تصوير هذه الحادثة، ولكني أفضل التصوير المسيحي لها وأنه خرج من الجنة ليحكم جهنم، ويكون الملاك الساقط من الجنة بسبب رفضه لما أُمر به. سواءُ كنت مؤمناً أم لم تكن، نظرتي للأمر فلسفية بحته ولا علاقة للدين لها بصلة. فأنا قلت لا لما أُمرت بطاعته.
تعليقات
إرسال تعليق