لا تصالح!



تعتقد أنك بعد سنوات من الجلسات والعلاج النفسي أنك لن تسمع أخبار مزعجة، ولكنها كالحياة تبهرك بكونها متقلبة ولا يمكنك أن تصل إلى شئ متغير بلا مفاجآت. ليست القضية هنا في كونها سعيدة أم حزينة، الأمر كله في أنه ستأتيك من حيث لا تحتسب، كما هو إمتحان thermodynamics ستكون مستعد ومعك كل المعطيات المطلوبة لحل المسألة اللعينة التي تحتوي على ٦ مراحل، ولكنك لن تعرف أن في مرحلةٍ ما ستتغير طبيعة بخار الماء المحمص -كانت مفاجأة صاعقة عندما سمعت أن بخار الماء يحمص، وهي مرحلة من مراحل تسخين بخار الماء لتخلص من كل الشوائب والعمل على أن يكون بخار الماء يحتوي على ماء بدون رمال أو أي أشياء أخرى- لتتغير الحسابات ومنظورك لجدول خصائص بخار الماء في هذه الظروف والعمل على فرض أشياء أخرى لتصرف بخار الماء المحمص وتغيير الحسابات في المراحل الباقية من الجهاز اللعين. لست أتذكر جيداً ولكنه كان جهاز يحول ضغط بخار الماء المار على مراوح بحجم مبنى من ٣ طوابق، ليحول الطاقة الحركية إلى كهرباء.


قالت صديقة أن هناك نمط غريب يحدث معي دائماً، وهو عندما قمت بتغيير الطبيب النفسي إلى طبيبة نفسية أخرى، كانت تفترض وتزيد من الأمراض والأعراض التي عندي وتضيف للتشخيص تشخيصات أخرى. هذا شئ عادي، فليس هناك في الطب شئ واحد نمطي يحدث بدون تغيرات، الطب النفسي بالأخص ليس هناك تشخيص ثابت على الإطلاق، فلا يمكن فرض أن المريض مشخص باكتئاب حاد طوال الوقت، يختفي ويظهر مشاكل أخرى بالقلق وبعدها يختفي القلق ويرجع الاكتئاب أو في خلال نوبات القلق يدخل الاكتئاب المشهد ليزيد من الطين بللاً. كان تعليقها كصاعقة لتذكري بداية رحلتي في السادس عشر من أكتوبر سنة ٢٠١٧، كنت قد وصلت لواحدة من تلكم اللحظات التي لست أدري لست أدري، فقط أنت في القاع، تسبح في بحر متلاطم لا شاطئ له، الموج عالي، قدرتك على الحركة قد أنتهت وتصارع من أجل البقاء طافياً دون الغرق مرة أخرى. استمرت رحلتي مع طبيبي الأول ٤ سنوات تقريباً - ٣ سنوات ونص تقريباً- لم يقبل وكان يرفض دائماً أن يعطني تشخيصاً واضح وصريح لما أعاني منه. بعد فترة قررت أن أنتقل لطبيبة تعمل في نفس المنصة التي أعمل لحسابها، ظللت معها سنة ونصف، كانت فترة ليست بالهينة، ولم أكن أتراجع عن الدخول في عمق وصلب المشكلة، لم أقبل أبداً الكلمات التي تحاول تخفيف حدة وعنف الموقف، كانت فترة مليئة بكثير من الأمور التي لم أكن قد تناقشت مع نفسي في المسببات وأصل الشئ وما آلت إليه الأمور بسبب العلل الكثيرة في طفولتي، فترة مراهقتي. في آخر فترة لم تكن جلسات مستمرة ومنتظمة، يضايقني الانقطاع وما زاد الأمر سوءً أنه كان انقطاع من دون مبرر لفترة من الوقت، علمت بعد فترة السبب ولكنه لم في صالحها، حدث هذا في وقت من الأوقات التي تعلم هي جيداً أنه أحلك أوقات السنة اكتئاباً، كان واحد من القرارات الصعبة الانتقال لطبيب آخر للمرة الثالثة، الأمر أسوأ من سماع أنني قد مررت بأسبوع من العذاب والتشخيصات الخطأ وأنني منذ البداية أعاني من زائدة مسدودة وأنني في مرحلة حياة أو موت ويجب أن أدخل العمليات الآن قبل أن أدخل في مرحلة تسمم الدم وأموت، أسوأ من خبر أنني رسبت للمرة الأولى في حياتي بعد ١٢ سنة من التفوق والتميز. فعلتها ومررت الأسابيع الأولى بشكل سلس بفضل تفهم الطبيبة للوضع وصراحتي في أنها لم تكن خطوة سهلة وأن اختياري لها كان بسبب أنني بحثت جيداً عن حسابها وشهاداتها، كانت صريحة وواضحة من الجلسة الأولى، ننظر للأمور بشكل مختلف، لن أقبل منك سوداوية غير مبررة، في أعتم اللحظات يوجد دائماً سرسوب ضوء في مكانٍ ما، من رحم المعاناة يولد بعض الأشياء الجيدة.


في بداية الأمر كان هناك تحدي سري أن أكسر هذه النظرة الغير منطقية وأنه من رحم المعاناة تتولد الصدمات، الكثير من الندوب، وأزمات الثقة في الحياة، النفس، والبشر.


لاحظت التحدي، لم تستخف بي، بذكائي، وقامت بلعب مبارة ملاكمة، لم يخرج أي من الأطراف مصاب أو مغشى عليه بسبب ضربة قاضية. -حمد لله، لم أكن مستعداً لأن أخوض تجربة اختيار طبيب آخر مرة رابعة-


مر شهران، حصلت على تشخيصي من طبيبتي القديمة، واضفنا عنصرين آخرين للتشخيص. أحدهم منطقي، والآخر زاد من حنقي على أهلي وتعاملهم معي منذ الصغر. هل نسامح أهلنا على جهلهم وحلولهم البائسة اليائسة وتكبرهم على استشارة متخصص لمساعدتهم؟ -سؤال وجودي ليس محل نقاشنا، سنتطرق له في النهاية-


من الأمور التي حدثت وبلا دفاعات أو أقنعة، حضوري لعرس زميلة في العمل القديم، سبب انعدام كل حوائط الصد والاختفاء وراء الأقنعة أنني لم أنم الليلة السابقة، لعبت ٣ ساعات Paddle Tennis، أكلت أسوأ أكله لمريض قولون وهي الكشري والتي بالمناسبة أكرهها ولا أفضل أكلها على الإطلاق لأنها وجبه بها كثير من المكونات في طبق واحد! كنت على طبيعتي، شخص ساخر، سليط اللسان، صوته عالي ولا يريد أن يقوم بأي شئ غير مريح له كالتصوير، الجلوس في مكاني دون الحركة والفرك، الابتسام للناس لأنه مطلوب الابتسام في وجه الغريب! مرَّ اليوم على خير ولم اتسبب في أي كوارث بسبب تعليقاتي اللاذعة أو صوتي العالي الذي ما يكون في الأغلب يحتوي على لفظ خارج أو نابي.


نقاش هامشي عن السؤال الوجودي وسؤال وجودي آخر


  • هل الإنسان مخير أم مسير سؤال حارت الفلسفة والدين في تفسيره، السؤال الجديد هو، هل الإنسان مخيَّر ليُسَيَّر أم، الإنسان مُسَيَّر ليُخير؟ من زايد إلى نهاية طريق إسكندرية الصحراوي احاول التفلسف للرد على نفسي وانتهى بي الأمر أفكر في أنني هل أذهب مباشرة لغرفتي أم اجلس قليلاً في قهوة بلدي للكتابة؟ الإجابة الخيار الثاني والسؤال معلق دون إجابة.
  • هل نسامح أهلنا على جهلهم وحلولهم البائسة اليائسة وتكبرهم على استشارة متخصص لمساعدتهم: الرد هنا من النضج أن نسامح، لكن هل نغفر؟ بالنسبة لي -على الرغم من اختلاف مناسبة القصيدة ولكن مطلعها مناسب-
لا تصالح!
ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى؟
هي أشياء لا تشترى


هل سيمحو غفرانك لهم الأذى وتوابعه؟ هل في الحقيقة هناك راحة بعد الغفران أم أنك ستغفر الأذى وتبقى بجروحك تحاول التغافل عن الأذى المستمر على مدار حياتك؟ 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في رثاء عزيزةٍ

Mania -1

نعكشه